ما هذا الاقتتال ..وأي حَرب هذه ؟
إنـّها أهم حَرب يخوضها كلّ شَخص منـّا ,,يومياً ..وفي تفاصيلَ صغيرة جداً
وهيَ تَتمتد طوال عُمر الإنسان
وبها يُمتَحنُ صَبره..تَمتَحنُ عَزيمته
فإن هوَ خَسر أثّرت تلكَ الخَسارة سلباً على علاقاته وأفكاره وأحاسيسه !
وصارَ الاستسلام هوَ رفيقه وصديقه في كثير من أموره، فمَن تَغلبه أهوائه يصبح انهزامياً أمام غَيرها .
وعلى العكس من ذلك، إن انتَصر فيهَا ..فلَح
"فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ.."
بَل وحازَ فَوز الدّنيا ....وأمسَك بزمامها ، وقَادها نَحو برّ الأمان
وشعَر بسعادة بالغـة وسِعة في الحيلة.
وهيَ أعظم حَرب تَخوضها نَفسك ..!
مَنِ العَدو ..
الشَيطان
النَفس
الدّنيا
الهَوى
x
أنت!!
ما أسلحتهم ياترى؟؟؟ ولمَ نَخسَر ضدهم أحياناً ؟?
سبب خسارة بعض المعارك ضدّ الأعداء الآنف ذكرهم
هو لإحدى سببين :
الجَهل باستعدادات العدو وخططه ومداخله وأهدافه
وما إن نَعرف مداخلـه وخططه، وأهدافه ، فإنّ هزيمته تصبح أسهل
أو
عدم التحصّن واتخاذ الأساليب اللازمة للانتصار
فالبعض يعلم مداخل الشيطان، ويَعلم خطواته ..ومعَ ذلك لا يستَطيع المقاومَة
والسبب هو أنه لا يستخدم التقنيات اللازمة والدروع الواجب التحصّن بها ، وكانه يخوض حَرباً بلا أن يَستَعدّ لها
فلنتطرّق لمداخل العدو ..أساليبه ..ولمَ يجب الحَذر منه ؟ ..
. . .
الشَيطان ..
"إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً .."
إبليس كانَ من طائفة من الجنّ، أمره الله بالسجود فعَصى ، فلُعن وأبعد
"فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ"
وماكانَ منه بعدَ الطَرد واللعن؟
"لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ"
فهوَ يتربّص بطريق الإسلام ..وليسَ طريق الضلال
لأنه ضمن أهل الضّلال ، وما يَصعب عليه سوى من اتبع الطَريق الصَحيح!
فالذي يصلي يوسوس له الشيطان فيثقل عليه صلاته .
والذي يتصدّق يعظم عليه الصَدقة ويصعبها في عينيه
وهوَ يدعو لكلّ مَعصية، وكلّ ما أمر الله به ينهى عَنه الشيطان
فالمولى عزّ وجَل يأمر بالصلاة ..والشيطان ينهى عنها
ويأتي يوم القيامـة ..فيلومه من اتبعه
فيجيبهم " وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ..."
فهذا عَذاب معنويّ نفسي لمن اتبع الشيطان
إذ يقول : مالي عليكم من قوّة ..اللائمـة تقع عليكم بالكامل! أنا لَم أجبركم على طاعة ما أقول !
إبليس يصوّر الباطل حقّاً ..فلنَنتَبه!!!
:
فهوَ يزيّن السوء في عين الإنسان ، فإن عصى ،وسوس لَه حتى يعدل عن التَوبـة
وكأنه يقول له: أنتَ أفضل من فلان انظر إلى حاله ..فهوَ يزني ويَسرق ..
بهذه الطَريقة يتمادى الإنسان ولا يصلح صلته وحاله مع الله عزّ وجَل وبدلاً من أن يطلب المغفرة من الله
يقول: "أنا أفضل من غيري "
ومن تزيين السوء، فإنّ الشيطان يصوّر الغناء على أنه فنّ ، والتسيّب في الدّين على أنه تحضّر
ومنطقة الدّين وفلسفة أحكامه على أنها دهاء وحنكة!
النَفس الأمـارة بالسوء
أمّا هذه فهي متأصّلة ومزروعة بداخل كلّ منا
تستَجلب السوء وتجرّ نحوه بشتى الوسائل والطرق
فتحبّ اللعب والدّعة ولرّاحـة ..تَكره أن تقيّد
وليسَ ينبغي الاستسلام أو الانقياد لها إذ هوَ يَقود لهلاك الدّنيا وفقدان التوفيق في الحياة بكلّ مجالاتها
وكذا الانقياد المستمرّ للنَفس الأمارة بالسوء قد يعرّض لسوء الخاتمـة والعياذ بالله!
لذا أتى الدّين ليقوّم اعوجاج هذه النَفس،
وإذا ما قوّمَت
فإنها تدخل في المرحلة الثانية :
النَفس اللوامـة
يقول العلماء ، بأن النفس اللوامـة تجرّ صاحبها للباطل ، ثمّ تلوم عليه فتَقول:
كيفَ تسرق؟ كيف لا تصلي؟ ألا تخاف ربّك ؟ ألا تخاف النيران؟
فإن جوهدَت، وقوبلَت بالصبر ..فإنها تَرتقي لأفضل مرتبة ..
النَفس المطمئنـة
هي التي سكنَت لبارئها، واطمئنّت لعبادته وأحكامه وشرائعه
فجرّت من ظلام إلى نور ..ومن عَذاب ووحشَة ووفراغ إلى اطمئنان وسكينة
. . .
أمّا مداخل النَفس الأمّارة بالسوء:
فهيَ تَسعى لنيل كلّ مرغوب وإن كانَ يُخالف شَرع الله عزّ وجَل
وهي تعد باللذة المؤقتة وتتوسّل وتَخدَع حتى توقِعَ في شباكِ الحَرام
طموحها إرضاء الجَسد ..وإهمال الرّوح ..لذا فهيَ مهلكة لذاتها
كالطفل المدلل ..إن أنتَ أطعتها في كلّ أمر ..فقدتَ السيطرة
وصارت رغباتها لا تُلجَم ..وطلباتها لا تنتَهي!! فهيَ تَطلب وتَطلب دونَ أن تفكّر في العواقب
حتى تفلَسك حسناتك ..وتحمّلك جبالَ السّيّئات والآثام !!
ولنا في موقفه الحَكيم مع نَفسه عِضة، مالك بن دينار رَحمه الله
الذي كانَ يخاطب نَفسَه بغَرض إقناعها فكَان يَطوف بالسوق
فإذا أعجبه شيء خاطب نفسه :
"اصبري؛ فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك عليَّ."
ويستوقفنا كذا زياد بن أبي زياد الذي كانَ يخاصم نَفسه، فيخاطبها قائلاً:
أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه،
تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟
من زكّاها ..وحَماها وحصّنها من أساليب الانحراق عَن الطريق القَويم
فقَد أفلَح
وحينَ تأمر بالسوء ، فلا بدّ أن تكونَ الإجابـة "لا"
لا بدّ من منعها من المَعاصي والشبهات
الدّنيا :
تصير عدوّاً عندما تكمن في القلب ..فَــ تعمي البصائر
وتوقع في الشّهوات
وتلهي العَبد عَن كلّ ما يفيده ..
والتعلّق بها هوَ الخسران المبين!
والفهم الخاطئ هوَ أن معاداة الدّنيا هو ترك العمل فيها
ليس صحيحاً
الدّنيا إن وضعت في محلّها الصّحيح وفي مكانتها المناسبة ،وأخذ منها ما هوَ حلال
واستعينَ بها على طاعة الله وفعل فيها فقط ما يرضى الله بكلّ خطوة!
صارت طريق دين وأصبَح العَيش فيها طيباً
الهَوى :
الهَوى هوَ كَيف الإنسان، مزاجـه
متى يكونُ الهَوى عدوّاً لدوداً يجب الحَذر منه؟
عندما لا يكون موافقاً للشَرع .
فإن كانَ مزاجك لا يوافق الشَرع، فاعلم أنه هَوى من الشَيطان. ويجب معاداته وتقويمه ليَعود موافقاً للشَرع
ومنَ السَهل بأن نقتنع بأن المَزاج يفترض به أن يكونَ موافقاً للشرع،
فالسَعادة لا تتحقق إلا باتباع ما يوافق الشَرع الذي شرّع من قبل الله العالم بالسرائر وما تخفي الصّدور.
فكَيف بالكَيفِ أن يشذّ ويَرتاح لغَير ما شرّعه لَه خالقه الأجلّ !!!
فكَيفَ أقوّم هوايَ حتى يكون موافقاً لإرادة الخالق عزّ وجَل؟
أن أسأل نفسي على الدّوام ..
هل هذا يرضي الله ؟
وأبتعد عن السؤال ..أهذا يرضيني ..
لأن ما يرضيني ويرضي مزاجي قد لا يرضي الله ..
ولله المثل الأعلى والصفات العُلى فعلم الإنسان قاصر محدود مهما حكم على الأمور بعقلانية
أساليب معينة:
البعد عَن الفَراغ وشغل الوَقت الفارغ بما يَنفع من قول وعَمل،
فالفَراغ أحد الأسباب التي تجعلك ضعيفاً أمام العَدوّ
فتسلّح بشغل وَقتك بما ينفَعك.
التسلّح بالإيمان، فأعداء الإنسان يخافون إيمانه ، والدّليل قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم
"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .."
فلا يَهزمه هواه وهوَ مؤمن
ولا تَهزمه النفس الأمارة بالسوء وهوَ مؤمن
لماذا "وهوَ مؤمن" ومالذي يميز حالته وهوَ مؤمن؟
ما يميزه وهو مؤمن "القوّة" فلا أقوى من سلاح الإيمان
لأنه يستَعين بالقوّة الإلهية ليَقهَر أعدائه ..وما خَاب من استَعان به جلّ وعلا
ومن قوله صلى الله عليه وسلّم :
".. وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ،
لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ،
لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف "رواه الترمذي
التسلّح بالصّبر والصّلاة
بالصَبر على كلّ المغريات التي تقدّمها الدّنيا والنَفس والهَوى والشَيطان
ومَن صَبر على مجاهدَة أهوائه ونَفسه كانت لَه الغَلبه وانتصَر وكَسر القيود وتحرّر من الأســر.
يُقال :
إذا المرء لم يَغْلِبْ هواه أقامهُ.. ... ..بمنزلةٍ فيها العزيز ذليلُ
+
الاستعانة بالصلاة والدعاء واللجوء للمولى عزّ وجَل لطلب العَون
عن ربيعة الأسلمي رضَي الله عنه قال:
"كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ،
فَقَالَ لِي: سَلْ. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: "أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قلت : هُوَ ذَاكَ.
قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".
نتائج الفَوز :
أن نَفوز على النَفس الأمارة بالسوء ..على الشيطان ..الهوى ،الدّنيا
هوَ أمر عَظيم فعلاً
أن تَنتصر على من يحاول إقحامَكَ جهنّم ! فعلاً عظيم
ويَكفيكَ إن انتَصرتَ أنّك سيصبح تأثيرك على الآخرين أبلَغ وصولاً:
"ميدانكم الأول أنفسكم، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر،
و إذا أخفقتم في جهادها كنتم عما سواها أعجز"
حسن البَنا
نتائج الخَسارة :
أيها الأحبّة ، علينا أن ندرِكَ موقف الخَطر الذي قد نقع فيه لا سمح الله
في حال خسرنا الحَرب
إنها النيران ..وهَل نتحمّل ناراً تأكل أجسادنا ..فتُبدّل الجلود لتُحرَق مرّة أخـرى!!!
فهلّا أدرَكنا حَجم المخاطر ونَعقد العَزم!! هلا فَعلنا !!
ختاماً :
وإذا ما سيطَرت الشهوات والرّغبات ..وطَغت الأهواء والنزعات
ولَم يقاومها بني آدم هوَت بهِ لأسفَل الحُفَر وأكثَرها سُحقاً
حينَها لَن يملك سوى أن يَكره ما فعلته بهِ نَفسه ..وأن يَعود لبارئه ..
وعلينا أن نتعلّم ..أن ندركَ الثَغرة التي تجعلنا نَخسر
فأن نَخسر معركة هو أمر يمكن معالجته في سبيل الفَوز بالحَرب
..لأننا لَن نقبل خسارة تودي بنا إلى النيران والعياذ بالله
أمن شيء في دنيا حَقيرة ..يستَحق بأن نَخسر النَعيمَ الأبدي..لأجله؟
لتلكَ الجنّة بَل ولأعلى مرتبة فيها..طموحنا
..ولَن نسمَح لَه بأن يَدنوَ أقلّ من ذلك ..
أستودعكم الله